الدكتور ليث عبدالله القهيوي
يشهد التعليم في مدينة القدس المحتلة تحديات كبيرة نتيجة محاولات دولة الاحتلال المتكررة للعبث بالمناهج التعليمية وفرض روايتها على الطلاب الفلسطينيين. ففي الوقت الذي تحاول فيه دولة الاحتلال طمس الهوية العربية للقدس وتزوير تاريخها، تسعى أيضًا للسيطرة على عقول الأجيال الفلسطينية الصاعدة من خلال برامج الغسيل الفكري في المدارس.
إن محاولات تهويد المناهج في القدس ليست جديدة، فمنذ احتلال المدينة عام 1967 ودولة الاحتلال تفرض سيطرتها ورقابتها الصارمة على المناهج الفلسطينية. ففي عام 1967، قامت دولة الاحتلال بإلغاء المناهج الأردنية المعتمدة آنذاك في المدارس الفلسطينية بالقدس، وفرضت مناهج دولة الاحتلال بدلاً منها، في محاولة لطمس الهوية العربية للمدينة المقدسة وإحلال رواية دولة الاحتلال محلها.
ومع ذلك، واجهت دولة الاحتلال مقاومة شديدة من الفلسطينيين ضد هذه المحاولات، مما دفعها للتراجع والسماح باستخدام المناهج الفلسطينية في القدس الشرقية مع بعض الرقابة والتدخل. إلا أن دولة الاحتلال ما زالت تمارس ضغوطات هائلة على المناهج، سواء من خلال الرقابة المسبقة على الكتب المدرسية، أو منع تدريس مواضيع معينة كالتاريخ الفلسطيني.
كما تقوم دولة الاحتلال بفرض روايتها من خلال إدراج مفاهيم وخرائط تدعم مزاعمها في الكتب المدرسية، مثل استخدام مصطلح "أرض إسرائيل" بدل فلسطين، وعدم الإشارة للنكبة أو احتلال الضفة الغربية وغزة. وهذا يمثل تحدياً كبيراً أمام الفلسطينيين في الحفاظ على الهوية والتاريخ والتراث العربي في القدس.
وفي الآونة الأخيرة، شنت دولة الاحتلال هجوماً شرساً على المناهج الفلسطينية في القدس، حيث قررت في عام 2020 إلغاء المنهاج الفلسطيني بالكامل وفرض منهاجها على جميع مدارس القدس الشرقية الرسمية والخاصة. وتعد هذه الخطوة جزءاً من محاولات نتنياهو المستميتة لتهويد القدس وطمس هويتها العربية من خلال التلاعب بالمناهج وغسل عقول الطلاب.
إن هذه المحاولات تمثل تهديداً بالغ الخطورة للتراث الثقافي والحضاري العريق في مدينة القدس، وللهوية الوطنية للشعب الفلسطيني. فالمناهج التعليمية هي أداة فاعلة في صياغة الوعي والانتماء للأجيال القادمة، ومحاولة تزويرها أو تشويهها تمثل حرباً خطيرة على العقول والأفكار لاننا نواجه اليوم حرب العقول بالعقول ضمن حرب فكرية سياسية اعتادت عليها دولة الاحتلال واثارها وتداعياتها اضعاف الحرب العسكرية لانها تعمل على غسيل الادمغه ومحاربة التراث العروبي الفلسطيني والعبث بالارث والتاريخ العروبي.
لكن بالرغم من كل الضغوطات، ما زالت مدينة القدس تحافظ على انها مدينة الديانات السماوية وعلى طابعها العربي وتراثها الإسلامي ومعالمها المسيحية. فالوصاية الهاشمية على المقدسات والأماكن المقدسة في القدس، التي تجسدها وقفية الملك عبدالله الثاني للمسجد الأقصى والتي تضمن الصيانة والرعاية، تمثل خط الدفاع الأول عن الهوية العربية والإسلامية للمدينة.
كما أن صمود أهل القدس وتشبثهم بأرضهم وتاريخهم وحضارتهم، يمثل خط المقاومة الثاني في مواجهة محاولات التهويد والتزوير. فالشعب الفلسطيني سيظل متمسكاً بحقوقه التاريخية والقانونية والدينية في مدينته المقدسة، مهما بلغت حدة الضغوطات والتحديات.
إننا نأمل أن تفشل محاولات تزييف التاريخ والتلاعب بالمناهج في نهاية المطاف، وأن تبقى القدس عاصمة للتاريخ والحضارة العربية والإسلامية، كما هي عاصمة فلسطين الأبدية. وسيظل الدفاع عن القدس ومقدساتها وتراثها مسؤولية الأمة جمعاء.